مقال سعادة المدير العام بمناسبة اليوم العالمي للقانون

   حضور القانون في كافة تفاصيل الحياة الاجتماعية والإنسانية التي تنتظم بقواعده سلوكيات الأفراد والمجتمعات، ويحتكم لمعاييره العادلة مفهوم سيادة القانون، وتتحدد بأحكامه الضابطة الحقوق والواجبات، وتتهيأ وفق التزاماته البيئة المستقرة لأي مظهر من مظاهر التنمية، جعله مرتبطًا بشكل مباشر بكل التطورات والتحولات التي يشهدها الواقع، ومنها تلك الثورة التقنية التي أدخلتنا عصر الذكاء الاصطناعي، فأحدثت استخداماته تحولاً عميقًا ومؤثرًا في العديد من أداء المهام العملية على المستوى الفردي والمؤسسي، وقدّمت أنظمته وأدواته فرصًا واعدة ومتنامية بشكل سريع في تطوير وإنجاز الخدمات، وتحسين كفاءتها وجودتها.

    وقد دخل توظيف الذكاء الاصطناعي في العديد من الممارسات القانونية، كالصياغة التشريعية، وإعداد العقود والاتفاقيات، وتحليل البيانات من النصوص التشريعية والأحكام القضائية التي يعتمد عليها رجل القانون في مزاولة مهامه، بل والاعتماد عليه كذلك، وفق مستوى ما، في تقديم المشورة القانونية وتسوية المنازعات، إلى غير ذلك من المجالات التي تؤكد أن مواكبة الواقع في العمل القانوني والتفاعل مع تطوراته، والتأهب لمستقبله الذي يأخذنا إليه طموح العقل البشري بشكل سريع ومتلاحق، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمدى القدرة على الاستفادة مما توفره أدوات التكنولوجيا الحديثة في الارتقاء المستمر بمستوى الأداء المهني القانوني، دون أن نغض الطرف عما يرتبط بذلك من تحديات ترتبط بالمسؤولية القانونية، والامتثال للضوابط التشريعية والأخلاقية، ومعايير الخصوصية وحمايتها في استخدام تلك التقنية المتقدمة، وهي تحديات دائمًا ما تترافق مع ما توفره الأنظمة التقنية من فرص، وهو ما طرحته دائرة الشؤون القانونية لحكومة دبي في محاور مؤتمرها القانوني الذي عقدته منذ عامين حول التحديات القانونية المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي.

    وكعادتها في مواكبة متطلبات المستقبل عالميًّا، حرصت دولة الإمارات العربية المتحدة على وضع الأطر التنظيمية وإطلاق المبادرات والسياسات التي تعكس توجهًا وطنيًّا رائدًا وسباقًا في حوكمة وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي، فبادرت بوضع نظام تشريعيّ يعتمد على الذكاء الاصطناعي، إدراكًا منها لأهمية هذه البرمجيات في منظومة العمل القانوني التي تبدأ بالنص التشريعي، كما أنها عززت من حضور برمجياته في قطاعات العمل الحكومي، وتقديم خدماته وتسهيل إجراءاته، وتهيئة مقومات المرونة والفاعلية التي تحرص عليها دولة الإمارات بشكل عام وحكومة دبي بشكل خاص في توفير خدماتها الحكومية، وذلك من خلال تهيئة بنية تحتية تقنية مدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع مراعاة تعزيز الوعي بالمسؤوليات والمبادئ الأخلاقية في استخدام هذه التقنيات، وهو ما لا تنفصل عنه توجيهات القيادة الرشيدة بشأن استحداث مادة دراسية عن الذكاء الاصطناعي ضمن المناهج التعليمية بهدف بناء جيل يعي متطلبات ومقتضيات وأدوات مستقبله الرقمي.

    إننا، ونحن نشارك العالم احتفاله باليوم العالمي للقانون، لنؤكد أن اهتمام دولة الإمارات والتزامها بتهيئة بيئة ملائمة في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي هو اهتمام ينعكس بشكل كبير في تشكيل مستقبل العمل القانوني، سواء من خلال جودة الخدمات التي تقدمها المؤسسات القانونية الحكومية، أو من خلال تسهيل وتطوير الإجراءات التي ترتبط بالنظام العدلي والقضائي، أو حتى ما يرتبط بمزاولة المهن القانونية التي تجد أثرها في مستوى الخدمات التي يستفيد منه أفراد المجتمع من المتعاملين مع مكاتب المحاماة والاستشارات القانونية، وهو ما يتكامل مع كل ما يدعم ريادة دولة الإمارات في تعزيز ممارساتها في تحقيق العدالة الناجزة، وترسيخ قيم سيادة القانون.


مقال سعادة المدير العام بمناسبة اليوم العالمي للقانون

×